
لقد أوجدك الله أيها الإنسان من عدم لتقود هذا العالم وتنقذه من الظلام، فلما سمعت الملائكة إرادة الرحمن فيك قالت: ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، فإياك والفساد فليس لهذا كان إيجادك ووجودك؛ إنما أرادك الله سبحانه لتنفذ رسالة الإصلاح على هذه الأرض، ذلك الإصلاح الذي تغيّر به كلّ سيء أراده الشيطان.
إن الإصلاح قيمة عظيمة بالنسبة للمجتمع، فقيمتك لغيرك هي مقدار نفعك له، وقيمتك لمجتمعك هي بمقدار ما تغيره فيه ليصبح هذا المجتمع هو المجتمع الأمثل.
قم بإصلاح نفسك، قم بإصلاح أسرتك، قم بإصلاح عملك، قم بإصلاح من حولك، فإنك بقدر ما تصلح في نفسك وفيمن حولك بقدر ما تكوّن عالمك وتصبح سيداً فيه.. فإصلاح نفسك فريضة وإصلاح من تحتك وكلّ ما تستطيع إصلاحه هو واجب عليك، فلا تدّخر جهداً لذلك (إن أريد إلآ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله).
كثيرون هم من يحبون لفظة الإصلاح ولكنك لا تجد منهم إلا مجرد كلام يصف الفساد حولهم، ولا تجد خطوة واحدة إيجابية إلى الأمام. إن التغيير لا بدّ له من فهم للواقع وتقييم للحاضر وإلاّ فكيف يُفرّق بين الخطأ والصواب، وما هو صالح وما هو طالح.
ولهذا فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم القاعدة الفاصلة في ذلك فقال: (البرّ حُسن الخُلُق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس).. فلا سمو للأفراد ولا الجماعات إلاّ بمحاسن الأخلاق، فكلّ خطر وكلّ ضرر وكلّ عيب هي أمور تسبب الفساد، ولا بدّ من تجنّب الوقوع فيها، فإن وقعت فلا بدّ من إصلاحها, لذا فلا إصلاح إلاّ من فساد، ومجتمع كثر فساده لا بدّ أن يكثر في المقابل مصلحوه وإلاّ لساده الظلام وعظمت فيه الرذيلة.
المصلحون هم أشخاص يحبون الحياة بل هم مفعمون بها، بل إنهم يحبون أن ينظروا إلى الجمال الذي استودعه الله وأراده فيها؛ ولأنهم كذلك فهم لا ينعزلون عنها كمن يملؤه اليأس والإحباط والملل، بل يحرصون على التغيير الدائم إلى الأفضل.
من لا يحب الحياة لن يعطيها شيئاً، ومن لا يعطي فليس بذا شأن في نفسه وليس بذا قيمة لغيره، فليس من المروءة أن تعيش فيها وتأخذ منها أو على الأقل تسعى أن تأخذ منها ولا تعطيها.. عطاؤك لها هو إصلاحها وعمارتها بالخير والفضيلة.
كان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل لأنه وقود التغيير، فإن النفس إذا استقرّت وأحبّت التغيير إلى الأفضل، فإنها تضع الهدف تلو الهدف لتصنع الجمال ولتنشر المحبة ولترسم السعادة. المصلحون لا يُحبَطون، بل يحييهم الأمل ويحفّزهم الفأل ويريحهم العمل.