
حال الإيجابية هي أن لا ينظر المرء إلى الأمام فقط بل أن يتقدّم في طريقه مهما كانت هناك عقبات أو صعاب. فكل ما يحفّز الإنسان على ذلك التقدّم ويحقق أهدافه فهو إيجابية وعكس ذلك يسمّى السلبية. فالتفاؤل إيجابية والتشاؤم سلبية.. والتفكير في الحلول إيجابية بينما الوقوف مع المشكلات سلبية.. وهكذا..
ولكن المؤمن قد حباه الله سبحانه بأمر أسمى؛ فإنه ليس فقط ينظر إلى الأمام، بل ينظر إلى السماء.. إنه يرى حكمة الله وتدبيره في سائر الأمور، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إنه أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن؛ فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). وهذا يبين أن المؤمن إيجابي في سلوكه بل إنه ليس كالآخرين، فهو يثق بما عند الله ويعلم تمام العلم أن الله سبحانه بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الأمر كلّه.
انظروا إلى السماء ولا تنظروا تحت أقدامكم. فالسماء هي سمو الروح ورفعة الغاية، وليس أسمى من الله في قلب عبده. وإن من وفقه الله لطريق الهداية لتهون عنده المصيبة لما يعلمه من أن الله سبحانه لا يريد له إلا الخير، ولما يعلمه من أن الله عزّ وجلّ قد استودع حكمته سائر الأمور، وأن صبره سيمنحه القبول عند الرب الجليل، وأن رضاه عن مولاه هو تمام السعادة وحقيقتها، لأنّ من رضي عن الله رضي الله عنه وأرضاه.
من نظر إلى السماء هانت عليه الدنيا وما فيها، ولم يملأ عينيه إلا النفائس، وارتقى في معالي الأمور.. فإنّ الله سبحانه جعل النور والظلام، ففئة ذاقت النور فامتلأت بالحياة الحقيقية، وفئة لم تذق إلا مرارة الظلام واستأنست بعوالم الظلال، فتراها لا ترى الأمور إلا بعين قاتمة. أولئك قلوبهم مقبوضة ونعيمهم زائل.
من جنى المعرفة نال اليقين، ومن انحنى أمام كبرياء نفسه وخضع أمام هواها فليس على الهدى بل هو في الضلال المقيت. وإنّ من ادّعى الصلاح فضحته الأيام. فطوبى لمن درّب نفسه على تحمّل المصاعب رغبة في تحصيل النفائس وحباً في الوصول إلى الصفوف الأولى.
لا تنظر خلفك، فالماضي عمى والحاضر يقين والمستقبل مجهول. ومن هزمته الذكريات فلن تنقذه الأفكار، وليس أفضل من قلب أيقن بسعة علم الله وفضله ومن عقل أدرك أن الدنيا زائلة وأن ما عند الله يبقى، وأن المنطق الوحيد هو لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل..