
من أكبر عقبات تعليم الأطفال أن يعتقد الوالدان أو من يحيط بأولئك الأطفال أنهم مجرد أطفال صغار لا يفهمون ولا يدركون، وأنهم في أعمارهم هذه لا يصلحون إلاّ للعب واللهو، فيتركونهم إلى أن يكبروا، وعندها يبدؤون في محاولة تعليمهم وتثقيفهم فيتفاجؤون بكم هائل من الصعاب مع أبنائهم من حيث استقبال توجيهاتهم وإرشاداتهم؛ وهذا لأن هؤلاء الأبناء قد تطبعت فيهم اللامبالاة وصار صعباً عليهم التغيير..
إن من يلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) ليجد أن نبينا عليه الصلاة والسلام يعلّمنا التدرج في تعليم الأطفال حتى يعتادوا الأمور من الصغر فيتقنوها في الكبر، ولهذا قيل: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر). وتعليم الصلاة من الأمور الهامة في حياتنا كمسلمين حيث أن التربية الدينية من أكثر الأولويات لدينا في مجتمعنا لأنها الوازع والضمير الذي يقي من المعاصي وغيرها..
ولمّا كان الأمر بالصلاة يكون عند السابعة ثم العقاب على تضييعها يكون بعدها بثلاثة أعوام، فإنه من الضروري أن يكون التدريب عليها قبل السابعة بفترة كافية ليعتاد الطفل على حركاتها وليتعلم ماهيتها ويدرك مقاصدها..
لذا فمن الأفضل أن يتم البدء في تعويد الطفل على حركات الصلاة عند الثالثة، وتحفيزه أن يقف للصلاة مع والديه أو أحدهما كلما كان مستيقظاً وقت الصلاة، وتعليمه أن يقلّدهما.. ثم عند الرابعة يتم تعليمه أن يقرأ الفاتحة وما يقول في الركوع والسجود.. ثم عند الخامسة يتم تعليمه باقي الأذكار في الصلاة.. وعند السادسة يتم تعليمه أهمية الصلاة والغاية منها وأنها تقرب لله وعبودية له وهكذا.. ثم عند السابعة يؤمر بها لأنه تعلّمها وتدرّب عليها وأدرك أهميتها، ويتم توبيخه إذا ما قصّر فيها أو تكاسل عنها، وهكذا إلى أن يصل إلى سن العاشرة فيتم عقابه بالضرب عليها إن لم يصليها في أوقاتها، حتى إذا أدرك سن البلوغ تكون الصلاة بمعانيها وتجلياتها قد تجسدت فيه وسرت أنوارها في باطنه.
وهكذا التعليم لا بدّ أن يكون منهجه التدرّج الفكري حيث أن نمو الطفل كذلك يتدرّج جسمانياً وفكرياً، فالطفل يبدأ في تمييز المحيط ويتعرف على الأشياء بحواسه ثم يتدرج في التمييز ليميز الألوان والأشكال والأطعمة وهكذا، إلى أن يتطور لديه التمييز الفكري رويدا رويداً، وهنا يكمن دور الوالدين في توفير المناخ المناسب لهذا التطور..
وكقاعدة عامة في ما أسلفنا، فإن التعليم يكون فعّالاً إذا تدرّج من الملاحظة ثم إلى تلقين الأساسيات ثم التدريب ثم التطبيق مع الإشراف ثم التطبيق بدون إشراف مع التقييم ثم التقويم إلى أن يصل إلى الإتقان..
والقاعدة الأهم في صقل عقول الصغار هي أن لا تعلمهم ما يفعلون بل كيف يفعلون.. لا تختر لهم بل علمهم كيف يختارون.. لا تلقنهم الخطأ والصواب بل علمهم كيف يميزون الخطأ من الصواب.. أثر مشكلة واجعلهم يفكرون في الحلول عن طريق توليد الأفكار وعصف الأذهان.. احكِ لهم قصة بها حبكة ما وقف عند نقطة واسألهم عن توقعاتهم في ما ستؤول إليه الحكاية.. ضعهم في موقف مثلا محفزاً خيالهم وتفكيرهم كأن تقول لهم مثلا وجدت مبلغاً من المال مقداره كذا فكيف ستنفقه، ثم ناقشه في أفكاره.. وبذلك تسمو عقولهم في التفكير والتمييز والإدراك ويتعلمون كيف يتدرجون من تفكير الصبية إلى تفكير الكبار؛ حيث أن القاعدة الأساسية في التعلم أن ترفع من تعلمه إليك لا أن تنزل إليه، وإنما تنزل إليه في المعاملة ترحماً وتلطفاً، أما العلم فالأصل فيه الرفعة وعلى النفوس أن تسمو إليه لا أن ينزل هو لها، ولهذا فقد رفع الله سبحانه حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج إليه فأعطاه علوم الأولين والآخرين.. لهذا ارفع من حولك فمن ارتفع إلى العلم ارتفع به العلم..
والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل..