مرحبا بك الزائر الكريم وبامكانك تسجيل الدخول من الاعلى



صناعة البشر والحياة» فبـأيّـهم اقـتـديـتــم اهـتــديــتـم

ليس القائد من يصنع له أتباعاً، وإنما القائد هو من يصنع من أتباعه قادة!!..

هذا هو منزل القيادة في الحقيقة المحمّدية، وعلى هذا المبدأ ربّى رسول الله أصحابه فقال حاكياً عنهم رضوان الله عليهم: (صحابتي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم)..

لقد صنع رسول الله من أصحابه نماذجَ مضيئةً أشرقت بأنوار الإسلام في غيابات الكون، وجعل من كلّ واحد فيهم رمزاً يُشار إليه بالبنان، فمنهم من كان رمزاً للرحمة ومنهم من كان رمزاً للحق ومنهم من كان رمزاً للحكمة ومنهم من كان رمزاً للحياء ومنهم من كان رمزاً للكرم والسخاء ومنهم من كان رمزاً للحلم والأناة، وهكذا.. فقد استخرج القائد الأكبر عليه الصلاة والسلام من كلّ واحد فيهم طاقة كامنة بداخله ليصبح من خلالها نجماً يُهتدى به..

وهذه هي الطريقة الإلهية التي شرعها الحقّ سبحانه لعباده، فقد نوّع لهم صنوف الخير ليبرزوا فيها ولينفعوا الأمة، فإنّ من كانت لديه صفة واحدة على الأقل ينفع بها غيره من الخلق ويدعو الناس ليقلّدوه بها استحقّ أن يكون قائداً لتلك الصفة، وهذا كان نهج رسول الله في التربية القيادية التي تنفع سائر البشر، فمن لم يكن لديه القدرة على الدعوة إلى الله دلّه على أمر آخر يستطيع به نفع الخلق كالصدقة والعطاء والمساعدة والمعاونة والمساندة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وقد رسم القيادة ومثّلها بأنها الدعم للآخرين والنفع لهم حتى تتحقّق معاني الكمال الفريدة فقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً).. وذلك أنّ القائد دائماً يهتمّ بمن حوله فلا يصبر أن يجد نقطة ضعف إلاّ ويقوّمها، ويعزّز بالقوة ما ضعف ليظلّ من حوله على درجة متوازنة من الكمال، وهذا هو ما علّمنا إياه معلّمنا وهادينا في قوله: (مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى).. فمن رأى كسراً في أخيه جبره، ومن رأى عيباً في غيره قوّمه.. 

إنّ الله سبحانه قد أخذ العهد على أوليائه الذين يدعون إليه أن يكونوا نوّاباً لحضرته، مرشدين لخلقه، منيرين لسبيله، فهم قاموا بتلك الرسالة التي أرسل الله بها رسله فقال سبحانه: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)، فكان لديهم جميعاً هدف واحد وهو الدعوة إليه سبحانه؛ لهذا وجب عدم التفريق بينهم، يقول تعالى: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)، ومن هنا كان لزاماً أن لا نفرّق بين أحد من الدعاة إليه وأوليائه، فمن دعا إلى الله وضعنا أيدينا على يده ودعمناه وساندناه ما دام الله غايته، فإن دعا إلى نفسه أو إلى غير ذلك من الحظوظ رفعنا أيدينا عن يده.

يقول الشيخ ذو النون المصريّ واصفاً أهل الله الدعاة إليه: (هم قومٌ ذكروا الله بقلويهم تعظيماً لربهم عزّ وجلّ لمعرفتهم بجلاله، فهم حجج الله على خلقه، ألبسهم النور الساطع من محبته، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته، وطهّر أبدانهم بمراقبته، وطيّبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حللاً من نسج مودته، ووضع على رؤوسهم تيجان مسرّته، ثمّ أودع القلوب من ذخائر الغيوب فهي معلّقة بمواصلته، فهمومهم إليه ثائرة، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة.. قد أقامهم على باب النظر من قربه، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته، ثمّ قال:

إن أتاكم عليل من فقدي فداووه، أو مريض من فراقي فعالجوه، أو خائف مني فأمّنوه، أو آمن مني فحذّروه، أو راغب في مواصلتي فهنّوه، أو راحل نحوي فروّدوه، أو جبان في متاجرتي فشجّعوه، أو آيسٌ من فضلي فعدوه، أو راجِ لإحساني فبشروه، أو حسن الظنّ بي فباسطوه، أو محبّ لي فواظبوه، أو مُعظّم لقدري فعظّموه، أو مستوصفكم نحوي فأرشدوه، أو مُسيءٌ بعد إحسان فعاتبوه.. ومن واصلكم فيّ فواصلوه، ومن غاب عنكم فافتقدوه، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه، ومن قصّر في واجب حقّي فاتركوه، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه، ومن مرض من أوليائي فعدوه، ومن حزن فبشروه، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه..

يا أوليائي لكم عاتبت، وفي إياكم رغبت، ومنكم الوفاء طلبت، ولكم اصطفيت وانتخبت، ولكم استخدمت واختصصت، لأني لا أحب استخدام الجبّارين، ولا مواصلة المتكبّرين، ولا مصافاة المخلطين، ولا مجاوبة المخادعين، ولا قرب المعجبين، ولا مجالسة البطالين، ولا موالاة الشرهين)

كُن مثالاً يُحتذى به، كُن نجماً في عملك، كُن قدوة في فعلك، كُن أنموذجاً في سلوكك وتصرّفك، كُن داعياً إلى الخير، كُن رمزاً لكلّ فضيلة، كُن كما أراد الحقّ لنا أن نكون (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)..

ولتكن هذه الكلمات رسالة إلى الجميع، أن انهضوا بالأمّة ورجال الأمّة واصنعوا القادة الذين يرفعون المنهج القويم على كواهلهم، فإنكم تنالون بذلك الحظوة عند ملك الملوك، وليكن تلميذ اليوم هو شيخ الغد، وليكن من يحصّل العلم ويجمعه معلماً لغيره، ومن لم يستطع أن ينفع غيره بالعلم فلينفعه بالمال، ومن لم يستطع بذا أو بذاك فليدلّ الآخرين على ما ينفعهم أو ليدعو لهم، فخير الناس أنفعهم للناس، وأحبّ لأخيك ما تحبّه لنفسك..

ملاحظة : 

القيادة يمكن أن تكون موهبة من الله، ولكن يمكن كذلك ان يكتسبها الإنسان، وتحتاج إلى الخبرة كي تصقل.. وكل شخص بإمكانه أن يكون قائدا.. ولنا في ذلك حديث رسولنا الكريم: (فبايهم اقتديتم اهتديتم) وهذا دليل أنه قد حوّل جميع صحابته إلى قادة يقتدى بهم.. وأحب أن أنوه لكم على أمر مهم.. نحن أخواني لا نعلّم القيادة فقط بل نعلّم كذلك اساليب حل المشكلات وصناعة القرارات ومهارات التفكير ومهارات التخطيط التكتيكي والاستراتيجي والتنظيم والعديد من المهارات وليست القيادية فقط..
لا يوجد اي تعليق على هذا الموضوع
  • صفحة 1 من 1
التعليق:
التعليق على المواضيع خاص للأعضاء المسجلين فقط
 
جميع الحقوق محفوظة لموقع هدىً للعالمين © 2014
رمز المستخدم:
كلمة المرور:
الاسم:
البريد الالكتروني:
تعديل
رمز المستخدم:
كلمة المرور:
الاسم:
البريد الالكتروني:
تسجيل
رمز المستخدم:
كلمة المرور:
دخول
أعلى الصفحة